معادلة : القيم × الرقابة [ التحفيز ]

معادلة: القيم × الرقابة [التحفيز]

أَشُحٌّ في القوانين أو نقصٌ في التربية الرقابية؟

لا شُحَّ في القوانين، فزيادة سنِّ القوانين لا تحل المعضلات الأخلاقية، ونحن لا نستهين بأهمية القوانين، فهي مهمة - أية أهمية - لتنظيم الحياة، وسد الثغرات، وسياسة الرعية؛ لئلا يتسرَّب منها المُفسِدون والمنحرفون.

وإنما نريد أن نُؤكِّد على أهمية التربية، لتنمية "حس الرقابة الذاتية، والمخافة الإلهية"، فهي الكفيلة بحلِّ جملةٍ من المعضلات والإشكاليات المعتورة لتطبيق النصوص القانونية.

كما أن الرقابة الذاتية والمخافة الإلهية، مُدعِّمةٌ للنصوص القانونية المعرَّضة للخرق، والتأويلاتِ الفاسدة، والتخريجات الباطلة.

وبالخصوص إذا فسَدت النيات والطبائع، حين ضاقت على الناس الأرضُ بما رَحُبَت، فأصبح همُّهم - كل همهم - اقتناصَ الفرص والتحايل على القوانين؛ ليغتنوا بضغطة زر واحدة، ولا يهمهم أن يخسر العالم، أو يدمر الكون، أو يفرَّط في خُلُق أو فضيلة.

ولقد أبدعتِ البشريةُ في ابتكار أساليبَ للتحايل على القوانين وتفصيلها حسب المقياس بدقَّة متناهية، بل إن بعض رجال أهل المَيْدان يُعلِّمون الناس طرائق الالتفاف والاحتيال؛ حتى كدنا لا نسدُّ ثغرة من الثغرات حتى تكتشف أخريات، وسبل للتلاعب شتى.

وهل تطبق القيم الجميلة عن طيب خاطر؟

• تطبيق القيم يتطلب تتبعًا ومراقبة خارجية، والزجر ضروري لردع المخالفين المفسدين.

إن الرقابة الذاتية مطلوبة، لكنها لا تكفي ولا يُعوَّل عليها دائمًا.

الرقابة:

الرقابة: "متابعةُ تنفيذ العمليات الإدارية والمُنفِّذين لها، وتقويم عملهم أولاً بأول؛ للوصول إلى الهدف المرسوم على أفضلِ وجهٍ، وأقصر وقت، وأكبر دِقَّة، وأقل خطأ وتكلفة"[1].

أو هي: "وظيفة إدارية، وأنَّها مثلُ وظائف الإدارة الأخرى: عملية مستمرة متجددة، يتم بمقتضاها التحقُّق من أنَّ الأداء يتمُّ على النَّحو الذي حدَّدته الأهدافُ والمعايير الموضوعة، وذلك بقياس درجة نجاح الإدارة الفِعلي في تحقيق الأهداف والمعايير بغرض التقويم والتصحيح"[2].

ويمكن تنويع الرقابة إلى:

أولاً: الرقابة الربَّانية الإلهية.

ثانيًا: الرقابة الرئاسية؛ التي يمارسها الرئيس والمسؤول.

ثالثًا: الرقابة الذاتية.

رابعًا: رقابة الحسبة.

المراقبة الذاتية:

يجب تربية الناس على المراقبة الذاتية، وأن يُحاسِبوا أنفسهم، قبل أن يُحاسَبوا، وأن يحرِصوا على الفعل الجميل، ومع ذلك يجب الاحتفاظ بالسلطة الزجرية؛ للضرب على يد المخالِفين أو المعانِدين أو متَّبعي أهوائهم وشهواتهم.

فلا يميل الإنسان بالفطرة إلى تطبيق القانون والالتزام المبادئ، فالرقابة والتحفيز بنوعَيْه ضروريان، ولا تقل التربية عن المراقبة الذاتية أهمية؛ فهي لَبِنَة أساس للتطبيق والالتزام.

• قوة التربية عظيمة، ومكانتها مهمة، لترسيخ القيم وبناء السلوكات الجميلة.

• فإذا ترعرعت القِيَم الجمالية مع الأجيال، ترسَّخت في النفوس، واحتلَّت مكانًا في العقول، واندمَجَت في الكيانات، ثم في المجتمع، فتصير عادات وتقاليد، وجزءًا لا يتجزَّأ من لُحْمة المجتمع.

معادلة التربية:

الرقابة الذاتية: تكرس عبر قنوات التربية المختلفة.

الرقابة الخارجية: مجسدة في مؤسساتٍ تعاقب المخالفين وتزجرهم.

ملاحظة: إن الرقابة الخارجية مدعِّمة للرقابة الذاتية تدعيمًا غير مباشر؛ فالخوف من العقاب عند المخالفة يجعل الإنسان يتحكَّم في تصرفاته ويُقنِّن اندفاعاته.

العقوبات والقوانين:

(إن من المهم أن نُدرِك أن العقوباتِ، والقوانين الصارمة، والقيود الثقيلة على حركة الناس - ستكون قليلةَ النفع وضعيفةَ الفاعلية حين يتآكل السند الأخلاقي لها، والذي يتمثَّل في إيمان الناس بالفضائل وحماستهم لها، واستعدادهم لشيء من التضحية من أجلها.

إن القوانين تنهارُ حين ينهار الإجماع الأخلاقي لدى المجتمع، وإن التوسع في العقوبات لا يقضي على الرذائل، لكنه يساعد على تحويلها إلى شيء مخفي، وبهذا ترتاح ضمائر كثير من الناس؛ لأنهم لا يرون المنكرات على نحو ظاهر، لكن الأَدْواء الخلقية الفتَّاكة تستمر في عملها، ليتحوَّل المجتمع إلى هيكل مُجوَّف من الفضائل، فيكون أشبه بالأشجار القائمة على سُوقِها، وإن كان الموت قد أجهز على كل إمكانيات الحياة فيها)[3].

مخالفة الناس للقانون:

لماذا يخالف الناسُ القانونَ؟

لأن القوانين تخالف أهواءهم وشهواتهم، وتصادم مصالحهم الفردية أو الجماعية الضيقة، وقد يخالفونها لأنهم لا يؤمنون بها وبمشروعيتها.

فكيف نجعل من القوانين شيئًا محبوبًا، يلتزمها الناس ويطبقونها ويتفاعلون معها بإيجابية؟

فهذا الأمر أقرب ما يكون للمستحيل؛ لأن الفطرة البشرية ميَّالة إلى اتِّباع الأهواء، ونزاعة إلى المصالح الفردية، ولو خالفت نصوص القوانين.

ويمكن أن نخفف من وطء كرهِ الناس للقوانين، ذلك إذا اعتمدنا خططًا طويلة الأمد، ترتكز على التربية في المراحل المتقدِّمة من عمر الأطفال والنشء الصغار، بحيث تندمج التربية القانونية في جميع مراحل العملية التعليمية التعلُّمية، وتُعزَّز هذه التربيةُ القانونية في جميع المراحل التعليمية وأطوارها، من خلال انخراط وسائل الإعلام والاتصال في نشرها والحث عليها، بحيث تكون - التربية - من أهدافها وغاياتها.

وإجمالاً يجب أن تنخرط في هذا المشروع الإصلاحي مجموعة من المؤسسات:

• المؤسسة الأسرية.

• المؤسسة الاجتماعية.

• المؤسسة الاقتصادية.

• المؤسسة الفكرية.

• المؤسسة الدينية.

ويجب أن تتضافر الجهود، ليتحقَّق المقصود، كما يجب أن تُعزَّز الرقابة الذاتية بالتعزيزات المناسبة والكافية، فيربط فعل الناس وتركهم بالمخافة الإلهية، وبرجاء رحمته سبحانه وتعالى؛ حتى يصل الناس لامتثال قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4].

فمن المعلوم أن الفعل الإصلاحي، ليس كسائر الأفعال الإصلاحية؛ إذ تتداخل في تركيبتِه جملةٌ من الأفعال والأنساق المتباينة.

فالمسؤوليات في الفعل الإصلاحي متداخلة وكثيرة، يتقاسمها مجموعة من الأطراف. وتختلف من طرف لآخر، ونسب الناس في المسؤوليات متفاوتة.

وليس تحديد المسؤوليات بالعملية السهلة، فيتطلب الأمر تشخيصًا دقيقًا نزيهًا، للوقوف على الأفعال المسؤولة بشكل مباشر، والأفعال غير المباشرة، والأفعال المكملة.

قوة إضافية ودفعة نوعية:

وجود خلل ما في منظومة التحفيز مسألة خطيرة جدًّا، على مستويات كثيرة، فالأمر نفسي بالدرجة الأولى؛ إذ سيحسُّ الشخص الذي يستحق التحفيز فلم يحفَّز، يحس بالغبن والألم النفسي العميق، وبالخصوص إن كان من طينة الأشخاص الذين ألفوا أن يحفَّزوا على أعمالهم وإنتاجاتهم الطيبة، أو ممن يبذلون مجهودات إضافية معتبرة بشهادة أهل الحرفة، من محترفي الميدان.

وهل هناك أو هنالك شخص ما في عالمٍ ما لا يحب التحفيز؟

فللتحفيز قوة إضافية ودفعة قوية ونوعية للإنتاج وتطوير الإنتاج.

حكايته مع التحفيز:

لقد كدت في يومٍ ما أن أترك كل الأعمال والإنتاجات الإبداعية العلمية والأدبية والمهنية، لأركن إلى الخمول والكسل؛ لأني لم أجد ما يحفزني على أعمالي ومجهوداتي؛ لأني وجدت وأدركت أن الناس سواسية أمام القانون: المجتهد منهم والكسول، المتقن وغيره.

فسوَّلت لي نفسي أن أنحوَ نحو مَن سبقوني في الكسل، أفعل واجباتي فقط، بلا زيادة ولا نقصان، ولكن شاء الله أن أسترجع حيويتي، لا لأني حفزت، فلم أحفز لا بدرهم ولا كلمة طيبة، ولكن مشيئة الله فوق كل مشيئة.

أقول لكم من باب قول الناصح الأمين:

• حفِّزوا أبناءكم وفِلْذَات أكبادكم، فإن في التحفيز أسرارًا لا يدركها إلا من يحس بها.

• ربُّوا أبناءكم على الرقابة الذاتية والمخافة الإلهية.

• علِّموا أبناءكم اصطياد السمك؛ بالتعلم الذاتي.

• علِّموهم السباحة في بحر الحياة، علموهم ما ينفعهم؛ كيلا يصطدموا مع واقع لم تُعلِّموه لهم، فالواقع مختلف.